من المُفارقات التاريخيّة، أن نسمع عِبارات مثل "عِصابات فلسطينيّة"، "إرهابيّون فلسطينيّون"، "متسللون فلسطينيّون"، في وسائل إعلام مصريّة. كيف وَجد هذا الخِطاب المقيت طريقهُ إلى الإعلام المصريّ؟ خِطاب عمِلت إسرائيّل بأذرعها الإعلاميّة وعلاقاتها الدوليّة على ترسيخهِ طِوال عقود، لتقبع صورة الفلسطينيّ في أذهان العالم كمخرِّب وإرهابيّ. ومن الجدير بالذكر، أن هذا الخطاب كان قد فشل في الدخول إلى نفوس وعقول العرب عامة، وإذا به يُشحن ويُعاد إنتاجه، بسهولة وأريحيّة، في إعلام يتغنىّ بمؤازرتهِ للقضيّة الفلسطينيّة.
مُنذُ حين والمشهد الإعلاميّ المصري مقلق، يزجُ بالفلسطينيين ويورطّهم في المشهد المصري بشكل مسئ. ومؤخراً لم يقتصر هذا على الفلسطينيين، بل طال اللاجئين السوريين أيضاً. وهناك حتى من تمادى بهذا التوريط الى حدّ التحريض وهذا ما يمكن قراءته في اللغة التهكميّة والمُهاتِرة والمُقللة من شأن نضال الفلسطينيين والسوريين. حيث لم يتورع البعض عن التعامل مع القضيّة الفلسطينيّة كأداة لكسب شوط في حوار أو مناقشة وآخرين كانوا على أتمّ الإستعداد للتضحيّة بسكان غزة المحاصرة، أو التشكيك بمصداقيّة معاناتهم وفي إهانة اللاجئين السوريين في سبيل إثبات خطأ أيديولوجيّة الإخوان القريبة من أيديولوجيّة حماس وأيديولوجيّة بعض الفِئات المحسوبة على الثورة السوريّة.
ففي هزيع هذا السُعار، كانت إحدى الأدوات المشروعة في الإحتدام السياسيّ هي العلاقة المصريّة مع فلسطين وسوريا، ومما تم تناوله سبيل المثال لا الحصر: الحدود المصريّة مع غزة، العلاقة مع حكومة حماس، توريد الكهرباء والطاقة لغزة، وأخيراً "الجهاد". وإذ بالخطاب الإعلاميّ الذي تعوّد عليه الفلسطينيون والسوريون، خطاباً داعماً ومسانداً، ينقلب مقرعاً ومحرضاً. هكذا ألقيّ بعبء مشكلة الطاقة والكهرباء في بلد يزيد سكانه على التسعين مليون نسمة، على إمداد غزة بالكهرباء. وهو، أولاً، إدعاء لا يمكن تصديقه بالمنطق وغزة لم تتجاوز المليون ونصف نسمة، وهي بسكانها ومساحتها لا توازي حيّاً كبيراً في القاهرة. ثانياً، وهو الأهم، هو استعداد مجموعة من الصحافيين والإعلاميين المصريين، لترديد هذه المقولات دون أن يسألوا منذ متى أصبحت مساندة الفلسطيني جريمة؟ أليس استقبال اللاجئين السوريين، الفارين من ويلات الحرب، واجب إنسانيّ وحق تكفله حتى المواثيق الدوليّة؟ ومن البديهيات، أنه حتى وإن ثبُت تورط بعض الأفراد، من أي جنسيّة كانوا، في عمل مخلّ بالقانون، فلا يمكن مُعاقبة كل المجموعة بالمنع والتحريض. لقد فقد هذا النوع من الإعلام أبسط معايير المهنيّة الصحفيّة ومنه من يستكمل مسيرته الممنهجة في التحريض على الفلسطينيين منذ عهد نظام مبارك البائد. وهو خطاب له تأثيره، دون شكّ، على الرأي العام المصري والعربي، ومن المؤسف متابعته في مصر الثورة.
وأخيراً، نخال أنفسنا غير مصدقيين ونحن نسمع مقولات تتردد أيضاً مثل "متروحوا تحاربوا بفلسطين" و"روحوا جاهدوا في سوريا"... وهي دعوة يقدمها البعض "بحسن نيّة" لأعضاء في الاخوان أو غيرهم بشكل إستهزائي. من الواضح للقائل كما للمستمع أنها جمل تقريع غير جديّة، يستعمل فيها القائل كل الأدوات غير المشروعة في مواجهة خصم سياسي، وفي هذه المعركة يُهان الفِعل المُقاوِم للإستبداد كفعل جديّ تواق للحرية. كما أن هذه النبرة الإستهزائية فيها تجن كبير على الشعبين الفلسطيني والسوري لأنهما لم ولن يطلبا يوما مشروع مجاهدين بهذا الشكل.
إن المقلق حقاً في هذه المشاهد، ليس عمليّة التحريض ووصم شعب بأكمله بالإرهاب او الإنتماء إلى جماعات متطرفة وما يترتب على ذلك من عنف وكراهيّة وحسب. وإنما إرادة الكثُر أن تُعزل مصرنا الحبيبة عن محيطها العربيّ وألاّ تأخذ دورها الرياديّ في قيادة الامة العربية سياسياً وثقافياً. وهو دور سيكون من الصعب تكوينه في هذه الأجواء. وإن كان شعب فلسطين يقف حالياً أعزل أمام المشروع الاستعماريّ الصهيونيّ، فلا ننسى أن النضال ضد الاستعمار في المنطقة، الذي يسعى إلى تجزئة وتقسيم الأمة العربية، السيطرة على مواردها، إفقارها وتقويض قرارها المُستقل، هو مسؤوليّة جماعيّة.
نعرف أنه في زمن التغييرات الجذريّة كالثورات، تبرزُ على السطح نزعات عنصريّة، شوفينيّة وذكوريّة أيضاً ترتاحُ الآن لبناء إجماع جديد. أملنا ألاّ يتهاون أو يتعايش من يرفع شعار الحريّة والكرامة الإنسانيّة مع من يروج جهاراً للعنصرية. أملنا أن تتصدى الحركات الثورية لهذه النزعات، لتُرسي القيم الإنسانيّة الحقيقيّة التي قامت الثورة المصرية من أجلها والتي نأمل لها بأن تنتصر.